الخميس، 12 يناير 2012

رسالة من القلب الى القلب من م محمد جابر السهلي الى المهتمين عن قطاع الاستزراع السمكي في مصر

الاستزراع السمكي في السعودية Saudi Aquaculture
 في رسالة بعث بها المهندس القدير محمد جابر السهلي الى الاخوة في مصر يعبر لهم فيها عن راية في قطاع الاستزراع السمكي هناك وتصوره لما يجب ان يكون علية الاستزراع السمكي في مصر , الافكار التي طرحت فيها تستحق نشرها للاستفاده منها ليس فقط في مصر بل في كل بلدان العالم العربي ,
تحية من نهر ميكونغ الصغير بفيتنام الى نهر النيل العظيم بمصر الشقيقة
المتأمل لسواحل أرض الكنانة المباركة ومقدراتها المائية يرى أنها تتميز بسواحل شاسعة وبيئات بحرية وعذبة تتمثل في ساحل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والتي تبلغ (...2266) كيلومتر طولي تقريباً منها ( 1181) كم طولي على الأبيض المتوسط من السلوم وحتى رفح ومنها (1085) كم طولي من السويس الى الحدود السودانية المصرية على البحر الأحمر وهذه السواحل بدون الجزشر والخلجان والرؤوس المصرية المنتشرة على كلا البحرين كما يخترقها نهر النيل العظيم ثاني أطول نهر بالعالم (1520كم نهر النيل) جنوب البلاد الى شمالها ويتفرع تفريعات كثيرة ومتقطعة أهمها فرعي رشيد ودمياط اللذان ينتهيان في البحر الأبيض المتوسط مشكلان بينهما أعظم وأخصب ديلتا – ربما – في العالم كل هذه المقدرات المائية تعطي مصر ميز نسبية متعددة لأنتاج الثروة السمكية وهو موضوعي في هذه المشاركة المتواضعة أن أي مختص في تربية الأحياء المائية عندما يتأمل المقدرات المائية لأرض الكنانة يجد نفسه حقيقة أمام ثروة اقتصادية هائلة ومنجم بكر للثروة السمكية ولكنه للأسف ما بين معطل كالسواحل البحرية أو لم يتم الاستفادة منها الاستفادة المثلى كما يحدث في نهر النيل وهذه الثروة السمكية يحتاج إليها الجميع وأقصد هنا بالجميع كافة المواطنين والمقيمين وخاصة أبناء المجتمعات الساحلية وضفاف النهر بالمدن والقرى المطلة على كلا البحرين ونهر النيل كما يحتاج إليها وبشدة الاقتصاد الوطني المصري الذي يستنزف كل عام لجلب هذه المنتجات بالاستيراد ولقد ذهلت من كثرة المنتجات الفيتنامية والصينية والآسيوية عموماً في الأسواق المصرية وقد لا أتفق مع بعض الأخوة المختصين في مصر الذين قدروا استهلاك مصر بنحو (1.295.000 طن) عام 2009م وقدرت مساهمة المصايد الطبيعية 410 ألف طن ( بنسبة31%من الاستهلاك ) , ومساهمة الاستزراع السمكي حوالي 635 ألف طن ( بنسبة 49 % من الاستهلاك ) واستيراد 250 ألف طن من الخارج ( 20% من الاستهلاك ) فاستهلاك مصر يتجاوز هذا الرقم بكثير من ناحية ومن ناحية أخرى فأن إنتاج المزارع السمكية المقدر بنحو 635 ألف طن مبالغ فيه وظروف جمع الإحصائيات السنوية التي تعد لتقدم لمنظمة الأغذية الزراعة (الفاو) يكتنفها العديد من الشكوك في صحتها !! .
إننا أمام هذه السواحل وأمام نهر النيل العظيم وهذه الثروة المائية المعطلة أشبه ما نكون بمن يجلب له الماء ليروي به عطشه والنهر بين يديه !
وعلى أفتراض صحة إستهلاك مصر لـ (1.3) مليون طن من الأسماك عام 2009م فمن المؤكد أن هذا الرقم إزداد ومع ذلك فأن قيمتة ما يتم إستيراده بنحو (20%) تتجاوز (8) مليار جنيه كل عام بينما إنتاج مصر المحلي من الأسماك يكتنفه غموض الأحصائيات الدقيقة ومن المؤكد أن حاله لا يختلف كثيراً عن حال المصائد العالمية التي تشكل تراجعات في إمدادها بنحو 2% -5% جراء الصيد الجائر والضبط السيادي للبحار والتلوث وغيرها فقد لا يعول على زيادة الأنتاج الوطني من البحار كثيراً إنما يتجه العالم الى إستزراع البحار والأنهار واذا نظرنا الى نوعية الأسماك المستوردة لأسواق مصر سنوياً لتغطية فجوة الطلب المتنامية نرى أنه يتم تغطيتها من دول ساحلية استطاعت رغم فارق الإمكانيات مع مصر أن تجعل من سواحل بلدانها ومواردها الطبيعية أكثر إنتاجاً وأن توجد تنمية لمجتمعاتها الريفية والساحلية التي غالباً ما تكون أشد حاجة وفقراً هنا وهناك.
إن المتأمل في أحوال الدول التي تشارك في تغطية العجز للثروة السمكية بمصر يجد أنها دول تماثل مصر – بل تقل عنها غالباً - في الظروف المناخية الطبيعية والبيئية ويجد أنها تشهد هي الأخرى تناقص مستمر في الصيد الطبيعي من البحار باعتبار أن هذه أصبحت ظاهرة عالمية ولكن الفرق بين العديد من هذه الدول وبين مصر أنها استطاعت أن تتبنى تنمية لهذه المجتمعات الريفية والساحلية بإدخالهم في منظومة وبرامج تنموية لمناطقهم الساحلية لمناطقهم الساحلية ومساعدتهم في تخطيطها وتوزيعها عليهم سواء برها أو سواحلها أو أنهارها لممارسة تربية الأسماك والربيان والأحياء البحرية والمائية المتعددة ووفرت لهم الحد الأدنى من الدعم والرعاية والاحتواء.
أبناء المناطق الساحلية وضفاف نهر النيل والمجتمعات الريفية هم حقيقة محتاجون للمساعدة ويثقلون كاهل الرعاية الاجتماعية وكل ما يحتاجونه إرشادهم وتوجيههم إلى مثل هذه الممارسات وتهيئة الظروف والمواقع لهم ولأبنائهم ومنحهم الفرصة كاملة لممارسة هذه الأنشطة بحكم موقعهم الجغرافي بها وجعلهم محوراً أساسياً لمثل هذا النوع من التنمية تربية الأحياء المائية وتشجيعهم بتوفير الزريعة السمكية لهم في المرحلة الأولى حتى تنمو هذه الصناعة ويصبح إنتاج الزريعة هو الآخر مشاريع ربحية بذاتها وعلى رأس هؤلاء المستهدفين بالتطوير الصيادين وأبنائهم وجعلهم ينخرطون في التفاعل مع مثل هذه البرامج المنتجة والتنمية والتي قد تبدو جديدة ولكنها ليست كذلك فهي منتشرة في دول العالم في المناطق الاستوائية والمدارية سواء في آسيا أو أمريكا اللاتينية .
وينبغي عدم إغفال الأبعاد التي يمكن أن تقدمها مثل هذه التنمية للاقتصاد الوطني ، فإذا نظرنا لدولة مثل الأكوادور أو بلد الموز كما يسميها البعض فأن 53% من ناتجها المحلي من مزارع الأسماك والربيان وهي تطل على المحيط الباسفيكي المعروف بثروته السمكية الهائلة فلم يمنعها ذلك من الاستفادة من شواطئها التي لا تتجاوز (700 كم ) فقط أن تكون أحد أكبر دول العالم إنتاجاً
للمزارع السمكية وخاصة الربيان وما أحدثته هذه التنمية في سواحلها من تغير في أحوال مجتمعاتها الساحلية مشهود للعيان وما استقطبت هذه التنمية بها من استثمارات أجنبية خاصة الأمريكية حقيقة ظاهرة للجميع وأصبح الربيان (الجمبري) يمثل مصدر الدخل الثاني من ناتجها القومي وعن مثل هذا يقال عن البرازيل والمكسيك وبيليز ويقال عن فيتنام (بلد نهر ميكونغ) وتايلاند والصين والهند وإندونيسيا وغيرها .
وإذا تأملنا دولة مبدعة في هذا وملفته للأنظار وهي فيتنام التي غزى إنتاجها السمكي من المزارع السمكية معظم دول العالم بما فيها مصر وأسواق مصر وأصبح الفيليه الفيتنامي مدار الحديث عن جودته وظروف إنتاجه وأحب أن أطمئن الجميع بحكم معرفتي بهذه الدولة أن كل ما يقال عن إنتاج هذا النوع (سمك الباسا) من قصص غير صحيح على النحو المفهوم للقارىء الغير مختص فهي سمكة أكثر ما يقال عنها أنها ضعيفة المحتوى من الحمض الدهني أوميقا 3 التي تشتهر به الأسماك - لا سيما البحرية - وربما أن البعض من أسماك (الباسا) تزداد فيها دهون غير مرغوبة مثل أوميقا6 ولكن لنعود لهذه الصناعة في فيتنام وما أنعكس على اقتصادها المحلي وتحسين الوضع المادي للمزارعين وقاطني الأرياف والزائر لهذه الدولة يرى مقاطعة "هو تشي منه " (سايقون سابقاً) التي قبل ستة عشر سنه فقط كانت تصنف من أفقر المناطق المطلة على نهر "مايكونغ" وأصبحت الآن مدينة (هوتشيمنه) من كبريات المدن بفيتنام بل هي الثانية بعد هانوي العاصمة والأولى في الاقتصاد ولا تجافي الحقيقة إذا اعتبرت أن معظم المناطق الصناعية بهذه المدينة هي ورش سمكية للفيلية والتصنيع للمنتجات السمكية ويعمل بها مئات الآلاف من الناس لم يكن لهم فرص عمل في بداية التسعينات الميلادية.
وتعتبر مزارع الأسماك والصناعات المترتبة عليها مثل صناعة الأعلاف ، مصانع معالجة المنتجات ، مصانع التعليب ، خطوط الطبخ وأعداد الوجبات الجاهزة وشبه الجاهزة ، خطوط التعبئة ومصانع التعليب تعتبر ومصانع العبوات الكرتونية والبلاستيكية وشركات الدعاية والإعلان هذه جميعاً من الصناعات التي تتطلب فرص عمل فهي من أكثر المجالات إيجاد لفرص العمل إبتدائاً من عمل الرجل وأهل بيته في مزرعتهم السمكية وانتهاء بكل ما ذكر من المصانع القائمة على منتجات هؤلاء المزارعين في عمل تكاملي للأدوار وتبادل المنافع .
كما أن المزارع الكبيرة والمشاريع العملاقة التي تعمل في هذا الشأن أيضا تستوعب طاقات وطنية متعددة المهارات وتتيح لها فرص العمل .
ومن الواقع المشاهد في هذه الدول النامية – سمكياً – مثل فيتنام وتايلاند أن هذه الصناعة سريعة التطور وأن فرص العمل هي الأخرى تتطور وترتقي لتكون أكثر استقطابا ومهنيةً لفئة الشباب من الجنسين الرجال والنساء فتبدو الحاجة للعمل في المفرخات لإنتاج زريعات الأسماك ويرقات الربيان وتقديم الرعاية الصحية والبيطرية والغذائية وكذلك للعمل في مشاريع الإنتاج والتسمين والتي سوف تتطلب في وضعها المتقدم أخصائيين وفنيين في مجالات التغذية والتربية والرعاية والتداول والخدمات المساندة لها وهو ما يفتح مجالات للتدريب الفني والتقني في مجالات أرحب وأكثر أتساعا يتطلبها وضع مصر وأهل مصر ولو قدر لنهر النيل لسان لهمس في أذن كل مسئول عن الثروة السمكية وعن قطاع الأعمال وقال أنا أفضل من نهر ميكونغ.
أن هذه المشاريع والمنتجات ستوجد بالضرورة وفرة سمكية تحتاج إلى مصانع للأسماك ليتم تصنيع الأسماك والربيان والمنتجات السمكية بها والتي بدورها تتطلب عمالة معظم اشتراطاتها تنطبق على النساء اللواتي تزداد الحاجة لإيجاد فرص عمل لهن حيث أنهن الأقدر على التعامل مع فنون التقشير والطبخ وإعداد الوجبات السمكية الجاهزة والشبة جاهزة وحقيقة فأن النساء أكثر دقة في التعبئة التي تحتاج لمنتجات أكثر استقطابا للتسويق وهو عمل محبب للنساء بالفطرة.
كما تحتاج خطوط الإنتاج لفني التبريد والميكانيكا باعتبارها صناعة متكاملة أشبه ما تكون بصناعة الدواجن أو الألبان والتي لا يخفى ما أحدثه هذه الصناعات الزراعية من حراك اقتصادي انعكست آثاره على الاقتصاد المصري ككل إنتاجاً ومعالجة وبيع واستهلاك ومثل هذه النهضة مرتقبة لأبناء السواحل والأرياف الساحلية وحاضري نهر النيل العظيم لتمكينهم من القيام بالدور المأمول بتوفير الأسماك الطازجة بدلاً من استيرادها من الدول المطلة على نهر ميكونغ أو غيرها من الدول وبجودة لا شك أنها لا ترتقي للمنتجات الطازجة المصرية.
إن التنمية الزراعية بمصر أحدثت تطورات كبيرة ويجب أن تكون كذلك فمصر لديها من الموارد الزراعية ما يؤهلها للريادة في الأنتاج الزراعي والثروة الحيوانية والسمكية ورغم أن المأمول من هذه التنمية يفوق المتحقق فقد أوجدت التنمية الزراعية بمصر أثر على صعيد الاستثمار وفي التأثير على النمط الغذائي التقليدي وأعطت إحصائيات الاستهلاك المحلي من المنتجات الزراعية التذبذب الكبير في سرعة تبدل النمط الغذائي بالمجتمع ككل ففي الوقت الذي كانت مصر لا تستهلك من الدواجن مقارنية باللحوم الحمراء إلا القدر اليسير في السبعينيات كانت اللحوم الحمراء – أغنام ، أبقار ، جاموس ، أبل – هي السائدة فقد تحولت وتبدلت في نمطها الاستهلاكي وأصبحت الدواجن تحتل الصدارة بل أصبحت الدواجن المصدر الرئيسي للبروتين الحيواني بالمائدة المصرية وانتشرت لأجل ذلك مشاريع الدواجن بكافة محافظات مصر بل وبيوتها ونشأت مشاريع عملاقة تتوفر لديها البنية التحتية مثل المفرخات والأمهات ومصانع الأعلاف والمسالخ الآلية العملاقة أمكن في ضل توفر مثل هذه البنية التحتية للدواجن أن يجد المستثمر الصغير فرصة امتلاك مشروع دواجن منتج ومربح له ولأسرته بشرائه الصيصان والفراخ وتسمينها وإعادة بيعها لهذه المسالخ في تكامل اقتصادي مطلوب.
ودعم هذا التوجه للتحول من اللحوم الحمراء الى الدواجن الوعي الصحي والإرشادات بأهمية استهلاك اللحوم البيضاء أكثر من اللحوم الحمراء إن هذا التوجه لاستهلاك الدواجن لم يسلم هو الآخر من بعض الصعوبات التي واجهت هذه الصناعة محلياً وعالمياً ولا تزال فقد انتشرت بعض الأوبئة التي قللت من وتيرة الزيادات المضطردة من استهلاك الدواجن من جهة ورفعت من تكاليف إنتاج الدواجن من جهة أخرى مثل أنفلونزا الطيور والنيوكاسل والسالمونيلا وغيرها من الأمراض البكتيرية والفيروسية مما ألقى بضلاله على تحولات أخرى في نمط الأستهلاك.
أن ما حدث في تغير الذائقة لدى المستهلكين من ارتفاع معدلات الاستهلاك للدواجن جراء الوعي هو ما يحدث بشكل أوضح لدى التوجه لاستهلاك الأسماك والمنتجات البحرية حيث ينصح الأطباء وأخصائي التغذية ورواد الحميات والرجيم باستهلاك المنتجات السمكية لاحتوائها على أحماض دهنية مفيدة للصحة وجالبة للسعادة – كما يقول أخصائي التغذية - مثل الأوميقا 3 وقلة الكولسترول بها وأن وجد نسب منه فهي من النوع الجيد من الكولسترول ويقرن بعض الأطباء سلامة القلب وقلة تصلب الشرايين ودرء السكتات الدماغية بالإكثار من اللحوم السمكية والنباتات والأعشاب والطحالب البحرية الغنية هي الأخرى بالبروتينات النباتية المفيدة حيث تبلغ نسبة البروتين في طحلب الكلوريلا مثلاً حوالي 52% والذي أصبح يقدم في بعض الأسواق – اليابان – على هيئة كبسولات غذائية تكميلية .
كما ربط البعض ارتفاع متوسط العمر الزمني – بعد مشيئة الله – في أوساط الشعوب الأكثر استهلاك للأغذية البحرية بهذا النمط الغذائي ففي الوقت الذي لا تتجاوز متوسط العمر الزمني في أحد الدول غير المطلة على البحار ومتدنية الاستهلاك للأسماك عن 52 سنة نجد أن متوسط العمر الزمني لشعب مثل اليابان يبلغ 83 سنة وقريب من ذلك بالأسكيومو .
ولا يزال معدل استهلاك الفرد من الأسماك بمصر أقل من المعدل العالمي – 16 كيلو غرام للفرد سنوياً – حيث لا يتجاوز بمصر 14 كيلو غرام بعموم مصر إما المدن الساحلية كالأسكندرية مثلاً فتتجاوز 25 كغم في العام.
إن أهمية تنمية المجتمعات الساحلية ورفع الناتج المحلي جراء ألاستثمار الأمثل لسواحل مصر العزيزة لتوفير المنتجات السمكية بسواعد الصيادين والمزارعين وأبنائهم وأبناء المدن والقرى الساحلية سيسهم - بإذن الله – في رفع مستوى الدخل لسكان هذه الأرياف ويحدث تنمية وحركة اقتصادية تؤمن لهؤلاء السكان الاستقرار في مناطقهم وتحد من هجرتهم ونزوحهم إلى المدن الكبيرة بحثاً عن وسائل الكسب وفرص العمل وما يترتب على هذه الهجرة من ضغط على الخدمات والمرافق بالمدن وانخفاض إنتاجية الأرياف في الوقت الذي يمكن إحداث تنمية متوازنة جغرافياً واستغلال أمثل للميز النسبية للموارد الطبيعية وإيجاد صناعة مستدامة لحاضرهم ومستقبلهم وللاقتصاد المحلي بشكل عام.
عندما نتحدث عن التنمية الريفية الساحلية فأن توسيع قاعدة الاستثمار في إمداد الموارد السمكية من خلال صغار المنتجين سواء أفرد أو مؤسسات صغيرة أو متوسطة هي الأكثر إيجابية وعائد لأبناء المناطق الساحلية والقاطنين على ضفاف نهر النيل والترع المرتبطة به والمتفرعة منه وخاصة الصيادين وأبنائهم باعتبارهم الأقرب في التعامل مع البحر والأسماك وهذه مهنهم في الأصل وهم بنشاطهم السمكي لا يشكلون عبئاً على الدولة في التوظيف أو الدخل وهم فئة تعتمد بعد الله على ما يجود به البحر أو النهر من منتجات .
ولكن أصبح هؤلاء الصيادين يعانون وأصبح إنتاجهم يتدنى عاماً بعد آخر بل يصل الحد بالبعض أن يصرح أن تكاليف الوقود لا تعادل العائد من الصيد وهذا الشح في الموارد السمكية ظاهرة عالمية ومحلية جراء الاستنزاف والصيد الجائر بمعدلات لا تتناسب مع قدرة هذه الأحياء على التكاثر الطبيعي والبقاء وأسباب أخرى مثل التلوث والتجريف للسواحل وتدمير مواطن التكاثر والحضانة الطبيعية وخاصة غابات الشورى وكذلك ضعف الدعم وصعوبات الأجرائات والتشريعات للحصول على التراخيص أدت كل هذه الأسباب وغيرها تدني العائد من الصيد وبأدراج زراعة الأسماك ضمن نشاطات الصيادين وفي مناطق تواجدهم وذلك بتربية الأسماك وهي صغيرة ورعايتها وتغذيتها في حظائر سمكية حديثة وحصادها فيما بعد على هذه السواحل وجعل هؤلاء الصيادين يتحولون تدريجياً لمثل هذه الأنشطة الأكثر جدوى ولا يشترط قيامهم بهذا النشاط هجرهم لمهنتهم الأصلية وهي الصيد ولكن رفع مستوى دخلهم بنشاط مزدوج واستثمار عائلي محدود سيكون له بالغ الأثر في تغير أحوال هؤلاء الصيادين .
كما أن تعامل الصيادين والأفراد في الإسهام في زراعة الأسماك في مناطق متعددة ومتباعدة عن بعضها البعض يتسق مع مقدرة البيئة في استيعاب أي مخرجات جراء هذه التنمية باعتبار انتشارهم في مناطق عديدة وقلة وندرة احتياجهم لتطبيقات صناعية أكثر تعقيداُ وتركيزاً لمواد التشغيل يجعل من تأثيراتهم البيئة السلبية شبه معدومة .
إن منشاة صغيرة مربعة بطول ثلاثين متر وعمق خمسة أمتار واستثمار لا يتجاوز 8 إلف دولار أمريكي (حوالي 50 ألف جنيه ) سيمنح – بأذن الله – للصياد المزارع إنتاج لا يقل عن 10 أطنان سنوياً في أقل الأحوال تتجاوز قيمة مبيعاتها السنوية 32.000 دولار بدخل شهري صافي لن يقل عن 1300 دولار أي 7.800 جنيه شهرياً.
إذا علم إن الصياد الحرفي حالياً لا يحصل على متوسط دخل صافي شهري 1000 جنيه في أحسن الأحوال وهذا الصياد الحرفي الذي لديه قارب صغير أو وسيلة صيد أما الصيادين الحرفيين الذين لا يمتلكون حتى هذه الوسيلة الذين يسمون صياد راجل – يعني وسيلة الوحيدة هي ساقية – فأنه لا يعرف أصلاً بيع الأسماك فهو يصيد السمك ليقتات هو وعياله وجيرانه الذين يماثلونه في شظف العيش وشدة ألمؤنه وقد قابلنا العديد من أمثال هؤلاء يذهب في المساء ليضع على شاطئ البحر شبكة مهترئه ويعود إليها من صباح اليوم التالي ليرى ما قد يكون علق بها من طعام ولذلك فأن توجيه الصيادين بكل فئاتهم لمثل هذه المشروعات الصغيرة المنتجة وتوفير الحد الأدنى من الدعم والتوجيه والإرشاد وتبسيط وتسهيل الأجرائات الحكومية هي مسؤولية الجميع وخاصة من ولاهم الله شؤون هذه الفئة وكذلك أخذ زمام المبادرة بتنظيم هذه المجتمعات الفقيرة من أبناء الساحل وإدراجهم في جمعيات تعاونية بالمناطق الساحلية ودعم المؤسسات المقرضة لها وكذلك دعم المحسنين لها ودعمها بالكفاءات التي لا تقل أهمية من الدعم المادي للقيام على شئون هذه الفئة العزيزة من أبناء مجتمعنا الإسلامي الكبير .
المهندس / محمد جابر السهلي
مدير عام أدارة المزارع السمكية (سابقا) بالمملكة العربية السعودية
رئيس المركز الدولي البحري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق